1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

من محط آمال الغرب إلى عدو له.. تحولات بوتين

يوري رشتو
١٥ مارس ٢٠٢٤

خلال 24 عامًا من ولايته، نأى فلاديمير بوتين بنفسه وبروسيا تدريجيًا عن الغرب. كيف وصل الأمر إلى ذلك؟ يحاول روسيان بارزان البحث عن إجابة لهذه التساؤلات قبيل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية.

https://p.dw.com/p/4dbQv
الرئيس الروسي فلادمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين في عام 2015صورة من: Alexei Druzhinin/ZUMAPRESS.com/picture alliance

في حال تم إعادة انتخاب فلاديمير بوتين في نهاية الأسبوع رئيسا لروسيا، يبقى السؤال بالنسبة للكثيرين: ما الذي ينبغي للعالم أن يكون مستعدا له؟ ماذا ينوي بوتين هذه المرة؟ إلى أي مدى قد يتخذ مواقف متباعدة تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال ست سنوات أخرى من ولايته؟

كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد بحيث أصبحت الآمال السابقة في التقارب الروسي مع أوروبا مجرد أماني فارغة، وأصبح بوتين، الذي كان يعتبر لسنين طويلة مبعثا للأمل، مقاتلا شرسا ضد العالم الغربي؟

يحاول روسيان مشهوران من خلفيات وأجيال مختلفة الإجابة على هذا السؤال. يعرف كل منهما في بلده روسيا لدى ملايين المشاهدين - الأول، البالغ من العمر 60 عامًا، له العديد من الأفلام الوثائقية المحتفى بها، والآخر، في الـ 24 من عمره ومثير للجدل بآرائه والمحتوى الذي ينشره على الانترنت. الرجل الأول هو فيتالي منسكي الذي يعد أشهر مخرج وثائقي في روسيا، والآخر هو ألكسندر ستيفانوف وهو أشهر مؤرخ على يوتيوب في روسيا . كلاهما يعرفان بوتين: منسكي يعرفه شخصياً، فهو مؤلف فيلمين عن الرئيس الروسي أما ستيفانوف فله دراية واسعة ببوتين مستمدة من دراسته في مجال العلوم السياسية ومن خلال وسائل الإعلام.

نظرة وراء كواليس الكرملين

عبر فيلمه "روسيا - البداية" الذي صدر عام 2000، قام فيتالي منسكي بالنظر خلف كواليس الكرملين، حيث تبع بوتين في منزله الخاص ليلاً وفي حمام السباحة صباحًا. وفي أثناء تصوير الفيلم، اقترب المخرج من الرئيس بوتين بشكل لم يسبق لأحد آخر من موظفي الكرملين فعله. الآن يعيش منسكي في لاتفيا ولا يرغب في لقاء بوتين مرة أخرى.

تصوير بوتين ضمن الفيلم الوثائقي
فيتالي مانسكي يصور بوتين في عامه الأول كرئيس عام 2000صورة من: Juri Feklistow/ZDF/Arte/dpa/picture alliance

أما اليوتيوبر الشاب فيعيش في روسيا ويحلم بمقابلة رئيس الدولة شخصيا. لا يعرف ستيفانوف حاكما آخر في روسيا باستثناء بوتين: "تغيير السلطة؟ كيف يكون ذلك؟" يقول مازحا فعندما وُلد هذا الشاب البالغ من العمر 24 عامًا، كان بوتين قد دخل الكرملين.

انطبعت صورة بوتين في ذاكرة ستيفانوف لأول مرة عندما كان في العاشرة من عمره، عندما شاهده في برنامج سياسي مضحك على التلفزيون: "كان هناك حلقة تظهر بوتين وميدفيديف في لعبة سياسية. فكرت كيف قام بوتين بترتيب كل هذا بشكل فطن! ما أذكى هذا الرجل". كان يشير إلى التبديل المؤقت الذي قام به بوتين من منصب الرئاسة إلى منصب رئيس الوزراء بعد فترتين رئاسيتين. تولى صديق بوتين الدائم ديمتري ميديفيديف منصب الرئيس في تلك الفترة. فيما بعد، عاد الاثنان لتبادل مناصبهما مرة أخرى.

مع مرور السنوات، أصبحت صورة بوتين لدى ستيفانوف أكثر سلبية: "رأيت فيه القليل من الإنسانية والكثير من الشخصية السياسية التي لا تظهر أي مخاوف أو تردد." بالنسبة للشاب، كانت هذه نتيجة للدعاية الحكومية: "إنهم يجردون بوتين من إنسانيته ويؤلهونه حتى يتمكن الجميع من القول: إنه هبة من الله لنا.

تغيّر جذري تحت حكم بوتين

يصف المخرج فيتالي منسكي تحول بوتين من خلال ملاحظة شخصية بدأت قبل ذلك بكثير. قبل أن يصل بوتين إلى الحكم، زار منسكي الكرملين، حيث كان السياسيون في التسعينيات "يرتدون سترات زرقاء فاتحة وأوشحة صوفية"، ما يعكس السياسة الليبرالية لسلف بوتين بوريس يلتسين. "في 26 مارس/آذار 2000 كانت الانتخابات، ثم جاء التنصيب في مايو، وبعد ذلك - فجأة! - كان هناك جو مختلف تمامًا في سبتمبر/أيلول."

بعد يلتسين، الذي وصفه منسكي بأنه "حاكم غريب"، جاء رئيس مختلف تمامًا.  يقول منسكي: "لقد اختارت الكتلة الليبرالية حول يلتسين الصورة المعاكسة لسلفه: شاب، رياضي، ليبرالي. ولكنه أيضًا رجل دولة يحافظ على نظام الدولة". "لقد مثل بوتين هذا التناقض، لكنه لم يكن مؤلف هذه الصورة. لقد كان ببساطة يؤدي الدور الذي وصفه له المستشارون السياسيون وكان حريصا للغاية على عدم الانزلاق وعدم التعثر". حاول الرئيس الروسي أن يبدو أكثر غربية وليبرالية مما هو مطلوب منه. على سبيل المثال، لطالما استند بوتين على قرارات آآخرين وكان يحترم الآخرين كثيراً. 

ألكسندر ستيفانوف
اليوتيوبر ألكسندر ستيفانوفصورة من: Ekaterina Semkina

خصم للغرب

 يرى المؤرخ الشاب ستيفانوف أن بوتين كان مولعًا بالغرب في سنواته الأولى، ثم أصيب بخيبة أمل في وقت لاحق. ويوضح "تمكنت روسيا من تسجيل نقاط سياسية ( في أوائل 2000)، واستقر الاقتصاد، وارتفعت أسعار النفط. لكن بوتين لم يكن راضيًا عن نظام العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، لذلك انتقد سيطرة الولايات المتحدة الأحادية."

من ناحية أخرى، يعتقد المخرج منسكي أن بوتين لم يحب الغرب أبدا. "لقد كان لديه دائما موقف لا لبس فيه تجاه الغرب باعتباره خصما لتطور روسيا. هذا هو فهمه الأساسي". في عهد يلتسين، انضمت روسيا إلى العديد من المؤسسات الدولية. على الرغم من أن الخروج كان صعبا على بوتين، إلا أنه تابعه بثبات وحزم: "كل إجراء اتخذه في السنوات التالية كان يهدف إلى سحب روسيا من المجتمع الدولي".

 

"كان عليه أن يكذب"

وقد ترك الأشخاص الذين ابتكروه، من مستشاريه السياسيين إلى أفراد عائلة يلتسين، الوضع يتطور بسرعة. ثم أصبح بوتين مستقلاً. في عام 2004، بحسب منسكي " لم يكن هناك سيطرة عليه بالفعل وبدأ بالابتعاد عن الفريق الليبرالي لمستشاريه. وبعد أن أصبح مستقلاً، بدأ في تطبيق فكرته للخير والشر. لم تتغير معتقداته السياسية ورؤيته لبناء الدولة أبدًا. كان يجب عليه أن يكذب ليتناسب مع العقيدة الليبرالية "

كان تحول بوتين منطقيا ، لكنه لم يأت على الفور: "الشتاء لا يأتي على الفور. أولا يأتي المطر، ثم الثلج والصقيع. السؤال هو إلى متى سيستمر هذا الشتاء".

بالنسبة لليوتيوبر ستيفانوف، الجواب واضح: ليس لفترة طويلة جدا. وهو يؤمن بشدة بأن روسيا يمكن أن تصبح أكثر حرية خلال السنوات الست القادمة رغم وجود بوتين. فالوطن لطالما كان جزءًا من الحضارة الأوروبية وسيظل كذلك.

"ماذا يمكن لشاب يبلغ من العمر 24 عامًا أن يؤمن به؟"، يقول منسكي البالغ من العمر 60 عامًا بابتسامة. "من الجيد أن هناك أشخاصًا يضيئون حياتنا الرمادية بتفاؤلهم." لكنه  لا يشاطر زميله الرأي، فهو ليس لديه أية أوهام: "لا يوجد تحرير ولا ذوبان للجليد. أي ترك لزمام الأمور هو مدمر لهذا النظام."

لكن هناك شيئًا واحدًا يتفق عليه اليوتيوبر الشاب والمخرج الأكبر سنًا: كلاهما يعتقد أن فلاديمير بوتين سيوجّه مصير روسيا حتى وفاته.

أعده للعربية: علاء جمعة